حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدين وصدع بدعوته في وجه قومه , استنكف أهل مكة واستكبروا , وكان منطقهم في مواجهة دعوة التوحيد " أجعل الآلهة إلها واحد إنه هذا لشيء عجاب * وانطلق القوم منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد " ( ص 5-6 )
وفي هذا الوسط الذي شرق بدعوة التوحيد ورفضها كان ممن بادر لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم بعض شبان الصحابة , فعدد من أسلم في أول الإسلام كان هو ممن دون سن العشرين أو فوقها بقليل .
فمن السابقين الأولين للإسلام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - , ومنهم سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – الذي قال عن نفسه " ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه , ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام "
وقال رضي الله عنه " إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله , وكنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومالنا طعام إلا ورق الشجر حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ماله من خلط , ثم أصبحت بنو أسد تعزرني عن الإسلام , لقد خبت إذا وضل عملي "
والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله – رضي الله عنهما – كانا من السابقين .
وكان من السابقين إلى الإسلام عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – إذ يقول عن نفسه " لقد رأيتني سادس ستة , وما على الأرض مسلم غيرنا "
ولنستمع إلى قصته كما يرويها هو إذ يقول " كنت أرعى غنما لعقبة بن معيط , فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر , فقال " يا غلام هل من لبن ؟ " قال : قلت " نعم ولكني مؤتمن " قال : " فهل من شاة لم ينز عنها الفحل ؟ " فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر , ثم قال للضرع " أقلص " فقلص قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول , قال : فمسح رأسي وقال : " يرحمك الله فإنك غليم معلم " وفي رواية : أتاه أبو بكر بصخرة منقورة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر وشربت , قال : ثم أتيته بعد ذلك قلت : علمني من هذا القرآن , قال : " إنك غلام معلم " , قال : فأخذت من فيه سبعين سورة .
العناية بحفظ القرآن وتعلمه :
القرآن دستور الأمة وأساس نهضتها , وبه أنقذها من الظلمات إلى النور , لذا فقد كان أول ما عني به شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن وحفظه وتعلمه .
لقد الحرص الذي تمتع به أولئك – رضوان الله عليهم – مدعاة لأن يفوقوا غيرهم حتى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستقراء القرآن من أربعة , ثلاثة منهم من الشباب وهم : معاذ , وابن مسعود , وسالم – رضي الله عنهم – إذ يقول : " استقرئوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود فبدأ به , وسالم مولى أبي حذيفة , وأبي بن كعب , ومعاذ بن جبل " . قال : لا أدري بدأ بأبيّ أو معاذ .
ويشهد أنس - رضي الله عنه – مع معاذ لشاب آخر هو زيد بن ثابت – رضي الله عنه – بأنه قد وعى القرآن وجمعه فيقول : " جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار " أبيّ , ومعاذ ابن جبل , وأبو زيد , وزيد بن ثابت "
الأمر لا يقف عن مجرد الحفظ :
ولم يكن الأمر عن أصحاب النبي صلى الله علبه وسلم في تعلم القرآن واقفا عند مجرد حفظه وإقامة حروفه بل كانوا يتعلمون أحكامه وحدوده .
يحدثنا عن ذلك أحدهم وهو ابن مسعود – رضي الله عنه – إذ يقول : " كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن , والعمل بهن "
ونحن اليوم إذ نشهد هذا الإقبال من الشباب على حفظ كتاب الله والمسارعة في ذلك والمسابقة فيه , نتمنى أن ينضم لذلك العناية بتدارس القرآن والتعرف على معانيه والقيام بحقوقه .
تعليم القرآن :
ويدرك الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن حفظ القرآن وتعلمه يتطلب منهم أن يقوموا بواجب التعليم , كما أخبر صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "
ولهذا بعث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أحدهم وهو مجمع بن جارية – رضي الله عنه – لأهل الكوفة يعلمهم القرآن .
طلب العلم :
إن طلب العلم لا غنى عنه لأي شاب يريد عبادة ربه تبارك وتعلى والاستقامة على دينه , فضلا عمن يريد الدعوة لدين الله .
المبادرة والحرص على التعلم والاستماع :
فهاهو أحد شباب الصحابة وهو عبد الله بن الحارث – رضي الله عنه – يقول : أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبول أحدكم مستقبل القبلة " وأنا أول من حدث الناس بذلك .
وكان عمرو بن سلمة – رضي الله عنه – وهو من صغار الصحابة حريصا على تلقي العلم , فكان يتلقى الركبان ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه أجمع وأهَّله ذلك لإمامتهم .
ويحكي لنا عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب بضعا وعشرين مرة , أو بضع عشرة مرة ( قل يا أيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) . وفي إحدى روايات الحديث يقول : " رأيت رسول الله .. " إن هذا الاستقصاء والحرص دليل على مبلغ العناية بالتعلم , وحين ندرك أن ذلك كان في صلاة النافلة , وفي قراءة سرية نعلم مبلغ الجهد الذي بذله – رضي الله عنهما – في تتبع ذلك .
حفظ العلم :
إن هذا الحرص على التحصيل والتعلم لم يكن شعورا داخليا فحسب بل نتج عنه التحصيل والحفظ ولإدراك .
وهذا النعمان بن بشير – رضي الله عنه – عن نفسه أنه حفظ مالم يحفظه غيره إذ يقول : " أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة – العشاء - , كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة – غياب القمر ليلة الثالث من الشهر – "
شهادته صلى الله عليه وسلم لهم بالعلم :
ويعطي صلى الله عليه وسلم شهادة عظيمة – وهو الذي لا ينطق عن الهوى – بأن أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام هو أحد شباب الصحابة – رضوان الله عليهم – ألا وهو معاذ بن جبل .
وشهادة لآخر من الشبان هو زيد بن ثابت – رضي الله عنه – فيشهد له صلى الله عليه وسلم أن أفرض الأمة . يقول صلى الله عليه وسلم : " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر , وأشدهم في أمر الله عمر , وأصدقهم حياء عثمان , وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل , وأفرضهم زيد بن ثابت , وأقرؤهم أبيّ ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح "
منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول